عنوان جانبي

  • وسأعود فأقول :
  • لم يعرف معاني الكلام من لم يقرأ في وحي القلم

الجمعة، 5 أغسطس 2011

الخوميني..المجدد الأكذوبة



كثر الحديث بين أبناء الصحوة الإسلامية حول موقف الحركة الإسلامية من الشيعة الروافض ومن إيران الدولة الإسلامية الشيعية المعاصرة ، هل نثق فيها ونعدها من جملة الدول الإسلامية التي يجب علينا نصرتها والوقوف خلفها بما أوتينا من وسائل النصرة ؟ أم تضاف هي الأخرى بمذهبها لجملة المنحرفين عن الإسلام الهادمين في بنائه ،كما كانت دولة الصفويين من قبلهم أيام العثمانيين ؟

الحق أن الأمر لابد فيه من تفصيل وتفرقة بين الثوابت التي لا تقبل الاختلاف، والمتغيرات التي يسمح فيها ببعض التنوع ولا يلام أحد تبنى فيها موقفاً معيناً .

نعرض في هذه المقالة لمؤسس هذه الدولة ومجدد مذهبها ، الإمام المجدد آية الله الخوميني؛ ذلك الرجل الذي كثر الجدل حول شخصيته وفكره وأثره على الإسلام المعاصر ، ولكي نحكم بموضوعية لابد أن نفهم بشمول ، وقد تقرر لدى العلماء أن الحكم على الشيئ فرع عن تصوره.فأحضر قلبك واقرأ معي..

( 1 )...

منذ الوهلة الأولى وأنت تطالع تاريخ المذهب الجعفري (الإثنى عشري أو الرافضي ) تلحظ منهج الروافض تجاه كل الحكومات التي قامت في الإسلام ، وهو منهج الثورات وإسقاط هذه الحكومات كافرة كانت أم مسلمة لأنها جميعها باطلة لا تنعقد لها إمامة إما لعدم قدرة أئمتهم على تولي مناصب الخلافة فيها أو لغياب الأئمة منذ زمن محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر . وقد اعتمدوا منهج الثورات لأنهم لايجوز لهم في مذهبهم إقامة حكومة لا يرأسها إمام ، وفي نفس الوقت لا يجوز لهم البقاء تحت إمرةحكومة غير شيعية ...وهي معضلة فكرية وفقهية أدت بهم إلى انتهاج هذا الطريق مع كل الدول السنية التي حكمتهم،إلى أن جاء الخوميني ليغير الوضع.

كما تلحظ شيئا ً عجيباً في مذهبهم ؛ وهو أن معظم فروض الكفايات معطلة لأنها لا تتم إلا بإمام ؛ فالجهاد وغيره من الفروض معطلة لا يقوم بها الشيعة نظرا لغياب الإمام المعصوم ...

(2) وجاء الخوميني...

في مطلع السبعينيات من هذا القرن انفرد آية الله "روح الله مصطفى أحمد الموسوي الخوميني" بتجديد نظرية بالية في الفقه الشيعي تسمى ولاية الفقيه،مفادها أن الإسلام في هذا الزمان يحتاج إلى دولة تنهض بشئونه وتقيم أحكامه وتجاهد في سبيله ، وأن القدماء من الشيعة قد أضروا الدين حين تعاملوا بسلبية مع الواقع وانتظروا فقط عودة الإمام الغائب ليقيم لهم دولتهم ؛ فعطلوا أحكام الدين وأذلوا التشيع وحبسوه في أتباعه من حيث أرادوا الحفاظ على عقيدتهم ، ولو انهم أقاموا دولة لهم من القديم تنشر مذهبهم وتعلي دينهم لكان أمر الإسلام مختلفاً عن اليوم ، ولساهموا في بناء الدولة المسلمة التي يرجع إليها الإمام الغائب فيقودها للنصر والسيادة والغلبة،وليس في هذا تجنياً على حق الأئمة أو عقدا ً للبيعة لأحد سواهم بل إن قائد هذه الدولة ينبغي أن يكون عالماً من علماء المذهب الشيعي الذين بلغوا مرتبة من الاجتهاد تمكنه من معرفة مراد الأئمة في كل مسألة تعرض للدولة ، ولا بأس أن يستعين باقرانه من العلماء المجتهدين كمجلس استشاري يوجه الدولة ؛ على أن يكون هو أعلاهم درجة وهو الذي تعقد له البيعة الخاصة والعامة وأن يكون واجب الطاعة لأنه نائب الإمام والإمام خليفة الله ؛ فرد حكمه رد لحكم الأئمة ومن ثم رد لمراد الله وحكمه .

وكل هذه الصفات مجتمعة في الخوميني باعتباره عالما مجتهدا درجته في الحوزة "آية الله العظمى " فلا درجة عند الشيعة أعلى منها ، وهو ايضا ً صاحب النظرية السياسية ومجددها ، فليس أحد أقدر منه على إدارة الأمور بنظريته الخاصة.

ورغم أن نظرية ولاية الفقيه قد لاقت من الشيعة رفضاً قويا في البداية ، إلا أن إصرار الخوميني وكفاحه الطويل في الساحتين العلمية والسياسية ونضاله ضد نظام الشاه " محمد رضا بهلوي " وشخصيته السياسية القوية ؛ كل هذه العوامل قد منحته الموافقة من علماء الشيعة والنصرة وكذلك جعلت منه البطل الشعبي الذي خلص الشيعة من ظلم وخيانة الشاه بمنهج إسلامي تفوح منه رائحة العزة والكرامة. ولقد كان من الحنكة السياسية أنه رفض تولي أي منصب رسمي بعد عودته من المنفى عام 1979 وكان عمره حوالى ثمانين عاما وقتها ، واختار أن يكون المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ؛ وهي منزلة روحية لا منصب رسمي ولكنه ضمن للخوميني ومن يأتي بعده التربع على قمة دولة الروافض ؛ فحكم الفقيه لايرد وطاعته واجبة ومخالفته كفر وردة؛ لأنه ناطق عن الأئمة متصل بهم في صحوه ومنامه، وكذا لا يمكن عزل الفقيه عن منصبه ولو خالفه كل أهل الأرض ولا يخلعه عن لقب المرشد الأعلى إلا الموت...

ومما سبق تبدو ملامح العبقرية التجديدية للخوميني في عدة نقاط:

أولا : أخرج الإسلام الشيعي من سلبية دامت آلاف السنين ونجح في فترة قصيرة جدا (9سنوات ) في تحويل نظريته لدولة حية على أرض الواقع ، وهاهي بعد أقل من 30 سنة نسمع صوتها مع صوت أمريكا جنباً إلى جنب..وتلك عبقرية تحسب للرجل ولا جدال.

ثانيا : في خضم المعركة السياسية استطاع صياغة النظرية إلى قالب حركي يدمج فيه العقيدة الشيعية بالمتغيرات المعاصرة لأنظمة الحكم على غير مثال سابق لا من السنة الذين ليست لديهم هذه الإشكالية ولا من الشيعة الذين لم يكن أمر الحكومة مطروحا عندهم أصلا. فأنشأ حكومة مدنية لها برلمان ورئيس ومحليات وغير ذلك من وسائل التنظيم الحديث ؛ دون المساس بالمكانة الروحية للإمام الغائب باعتباره الحاكم الشرعي للدولة.

ثالثا : لم يغفل مكانة العلماء في نظامه فجعل لهم الكلمة العليا ، فالحاكم الحقيقي هو الفقيه ويعاونه مجلس صيانة الدستور الذي يحوي ثلاثة من مجتهدي المذهب من بين أعضائه ؛ لهم حق رفض أي قانون يخالف المذهب الشيعي ، كما لهم حق اختيار المرشحين لمناصب الدولة الكبرى ...فجعل منها دولة مدنية الشكل كهنوتية الطابع القول الفصل فيها لمن يحكمون بالحق الإلهي وهم الفقهاء في مقابلة الكهنة والبابوات في النظام المسيحي الأوروبي في القرون الوسطى.فضمن بذلك ولاء العلماء وتأييدهم لفكرته حتى بعدموته لأنه لايستبعد أن يكون أحدهم مرشداً يوماً ما .

(3)المجدد الأكذوبة...

على أن ماسبق إنما هو جزء من الصورة لا كل الصورة ، فتنفس بعمق ولنكمل معاً باقي الرسم...

ماذكرته سابقا هو عمل تجديدي فريد يستحق الرجل أن يوضع به في مصاف من أثّـروا في التاريخ الإسلامي كله ، ولكن في أي كفة يوضع ؟ هل نضعه مع ابن تيمية والغزالي ومحمد الفاتح وابن عبد الوهاب وحسن البنا وعبد الله عزام؟ أم نضعه في كفة أخرى مقابلة مع من نزلوا بالإسلام للدرك الأسفل بانحرافهم عن منهاجه ؛ ولست ذاكراً أسماءهم لأنهم أهون من أن نذكرهم جنبا ًإلى جنب مع هذه الشموس النيرات.

ولن أعرض لفكر الخوميني ولا لعقيدته بتحليل ورد ، بل سوف أورد لك طرفا مما قرأت من كتاباته التي هي عماد مذهب الروافض في دولتهم الجديدة .ولك أنت أن تحكم على الرجل...

***عقيدته في الأئمة: جاء في كتابه الحكومة الإسلامية طبعة بيروت

" إن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل "

"والأئمة كانوا قبل هذا العالم أنوارا ، فجعلهم الله بعرشه محدقين ، وجعل لهم من المنزلة والزلفى مالا يعلمه إلا الله "

"ونحن نعتقد ان المنصب الذي منحه الله لهم لانتصور فيهم السهو أو الغفلة ، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل مافيه مصلحة المسلمين "

***ومن عقيدته في علي كرم الله وجهه:

"أنه الحاكم المهيمن الشرعي على شئون البلاد والعباد "

"فالملائكة تخضع له ، ويخضع له الناس حتى الأعداء منهم ، لأنهم يخضعون للحق في قيامه وقعوده وفي كلامه وصمته " صـــــ141


**ويورد حديثا في كتابه الأربعون حديثاً طبعة دار التعارف للمطبوعات نصه : ((حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي ، عن سماعة بن مهران قال :

قال أبو عبد الله : إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق ، يقف عليه رجل يقوم ملك عن يمينه وملك عن يساره ؛ فينادي الذي عن يمينه يقول : يا معشر الخلائق هذا علي بن ابي طالب صاحب الجنة ، يدخل الجنة من شاء ؛ وينادي الذي عن يساره : يا معشر الخلائق هذا علي بن ابي طالب صاحب النار ، يدخل النار من شاء "


*** وعقيدته في الأنبياء المرسلين وفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم :

"لقد جاء الأنبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة لكنهم لم ينجحوا ، حتى النبي محمد خاتم النبيين الذي جاء لإصلاح البشرية ؛ لم ينجح في ذلك ، وإن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر " من خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى المولد النبوي 15 شعبان 1400 ه؟

ويقول: "ونقول بأن الأنبياء لم يوفقوا في تنفيذ مقاصدهم وأن الله سبحانه سيبعث في آخر الزمان شخصا يقوم بتنفيذ مسائل الانبياء " كتاب كشف الأسرار

ويقول "إني متأسف لأمرين : أحدهما أن نظام الحكم الإسلامي لم ينجح منذ فجر التاريخ الإسلامي إلى يومنا هذا ، وحتى في عهد الرسول ؛ ولم يستقم نظام الحكم كما ينبغي"!!من خطاب له في ذكرى مولد الإمام الرضا الإمام السابع بتاريخ 9/8/1984

ويقول : "وكان تعيين الرسول خليفة من بعده ينفذ القوانين ويعدل بين الناس عاملا متمماً أو مكملاً لرسالته " صــ19 الحكومة الإسلامية

ويقول : " يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم لولا تعيينه الخليفة من بعده غير مبلغ للرسالة " صــ23 من كتاب الحكومة الإسلامية

ويقول في كشف الاسرار صـ51 :"واضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمعارك ، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه "


***عقيدته في الله عز وجل : من كتاب كشف الاسرار صـ123

"إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناءً شامخاً للعبادة والعدالة والتدين ؛ ثم يهدمه بنفسه ، ويُجلس يزيداً ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس ، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه"

لا تجزع فهذا الذي قرأت هو من كتابين اثنين للخوميني كُتبا في أواخر حياته وقد تبلور فكره واتضحت معالمه ، ولم أعرج على شذوذه الفقهي لأن في انحرافه العقدي غناء وكفاية.

وبعد ان رسمنا النصف الثاني من الصورة ؛ يتضح لك أن الخوميني مجدد حقاً ،ولكنه أكذوبة أيضا لا تفترق كثيراً عن ابن سلول أو ابن سبأ في المكر والدهاء والنكاية بالإسلام وأهله . فلا يمكن أبدا أن نعتبره من علماء الإسلام أصلاً فضلا عن أن نعده من المجددين المجاهدين ، وقديما قيل : ولست بالخب ولا الخب يخدعني ... فنحن نتحمس للإسلام ونفرح لكل مظهر من مظاهر علوه والنكاية بأعدائه ، ولكن إن كان إسلاماً وإن كانت ثم عداوة بين هذاالإسلام وخصومه ، وهما شرطان لا أحسب الخوميني وثورته حققا شيئاً منهما لا من قريب ولا من بعيد .

(4) وماذا تريد...

أعرف أن السؤال المنطقي الذي يقفز إلى ذهنك الآن بعد أن وصلنا هاهنا، وقد أوضحت لك أن هذه الثورة وقادتها إنما خططوا وفعلوا لأجل إعلاء مذهبهم ودينهم هم لا دين الإسلام ، السؤال: وماذا تريد منا تجاه إيران وهي حاضنة الفكر الجعفري وقد أصبحت قوة إقليمية لا يستهان بها في المنطقة كلها ، وهي الممول الأول لكبرى حركات الجهاد السني -حركة حماس-وهي التي تقلق بحزبها –حزب الله – الأمن الإسرائيلي؟؟!

أولا : أنا لست مع الذين يتشددون في التعامل مع قضية الزحف الرافضي والمد الشيعي على أنه كارثة سوف تحل علينا اليوم او غداً ، لأن الشيعة ببساطة يعيشون بيننا من ألف عام ولازال مذهبهم منحصر في أقلية والأغلبية من أهل السنة ، ولم ينقل التاريخ أن منهم مجاهد صادق أو أن علماء حوزاتهم مجتمعين قد وقفوا في وجه عالم سني واحد فغلبوه بالحجة ؛ لأن سنة الله ماضية في نصر الحق والسنة على أهل البدع والأهواء إذا دار ثم حوار يحتكم فيه للعقل والبرهان،ولست كذلك مع التقليل من شأن التشيع والدعوة له والعمل على نشره وتمييع القضية والدعوة للتقريب وأننا كلنا مسلمون متساوون ومحاولة طمس معالم الخلاف من أجل الوحدة المزعومة، بل الوسطية منهاج المسلم الحق .

ثانيا :حقٌ ما يقال عن خطورة الشيعة وأطماعهم ، ولكن أليس من العقل الاعتراف بأن إسرائيل خطر أعظم بل قائم في جسد الأمة . فأيهما أولى بالعمل والتفكير : خطر متوقع بعد عشرات السنين قد ياتي وقد لا يأتي ؛ وإن ظهر واستفحل ففي العلماء الثقات من هو أهل لقمع أهل الزيغ والعناد وإلزامهم الحجة على باطلهم وقد حاور ابن عباس الخوارج فرجع منهم بستة آلاف في حوار واحد

أم كارثة تطل علينا كل يوم مع القتلى والجرحى والمقدسات التي تنتهك ؛ كارثة اسمها اليهود ؟

قل ماشئت عن الخوميني وثورته ، وعن الروافض وسوء نياتهم وسواد تاريخهم ، ولكن اليهود وتاريخهم وفعالهم لا نياتهم أفظع !

قل ماشئت عن دولة ثلث سكانها من السنة ولا حق لهم ، بل قل إن طهران لا يوجد فيها مسجد واحد للسنة ، ولكن لاتنس أن إسرائيل كل يهودها لا يفرقون بين السنة والشيعة حينما يقتلون المسلمين.ودفع المفسدة القائمة مقدم على التوقي من مفسدة محتملة عند أهل العقل والنظر.

ثالثا : يجب أن نتريث قبل إطلاق الفتاوى والحكم على تصرفات الحركات الإسلامية بناء على موقفها من الشيعة ، فلا نرمي بالجهل السلفي المستمسك الذي يظن بتشدده في هذه المسألة أنه يحفظ للمسلمين عقيدتهم من الانحراف _ وقد لا يكون هناك خطر على العقيدة أصلا من التعاون مع الشيعة في الحرب ضد عدو مشترك كما كان الحال في التحالف مع يهود المدينة في غزوة الاحزاب "والفارق ثم كبير"- فله وجهة في مسلكه.

، ولا نرمي غيره من العاملين للإسلام الذين ارتأوا أن يتم تعاون بين السنة والشيعة في قضايا بعينها بدون إذابة الفوارق- وهؤلاء كثيرون وانتماءاتهم متعددة – لا نرمي هؤلاء بتمييع قضايا الأمة والتنازل عن ثوابت العقيدة لأجل شبهات لاحت لهم وكأنهم جميعاً جهال قد ورثوا الجهالة وتواصوا بها فيما بينهم ؛ فليس من بينهم صاحب بصيرة يرى بها خطر الشيعة وسوء نياتهم ؛ فانخدعوا جميعا وساروا في ركاب التقريب وأهله ، وكأن الله الذي هداك لهذا الرأي قد حجب العلم عن كل الخلق الذين خالفوك فكنت أنت وحدك صاحب العلم والفهم والمنهاج والرأي ، ومن سواك جهال مفتونون؛ألا إن هذه هي الفتنة التي ليس لها من دون الله من عاصم ، فاربأ بنفسك أن تكون من أهلها . واسمع لغيرك وحاوره عل الحق أن يكون مع أحدكما فيسعد صاحب الحق بحقه ، ويسعد المخطئ بتصويب خطئه.

مجمل القول أن الخوميني كان مجددًا ومناضلاً انحرف بفكره عن هدي الإسلام ، ولكنه صنع ثورة تركت دولة تحسب اليوم على المسلمين وترفع شعارهم . علينا أن نتمهل في الحكم عند كل قضية تعرض لنا في طريق تعايشنا معها ، وأن نقدر الأمور بقدرها ، ولكل حادثة حديث ، فلا يصح أن نعتمد منهج الرفض والتهميش على الدوام ؛ ولا أن نفتح صدورنا لرياح الشرق تحمل إلينا الخير والشر فنذوب وتضيع معالمنا مع دعاوي الوحدة وجمع الكلمة.ومنهاجنا في ذلك رد المختلف فيه لله ورسوله حيث الحكم الفصل والقول العدل

" وإن تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذالك خير وأحسن تأويلا " ...

الأحد، 17 أبريل 2011

هل في النار ملائكة ؟ حوار مع ملحد



ذات يوم ، سألني صديق ملحد ممن لا يؤمنون بشيء سوى أنفسهم سؤالاً عجيباً

يقول فيه : يا صاحبي هل تستطيع وأنت مطلع على القرآن أن تخبرني :

هل في النار ملائكة أم لا؟

وهذه النار العظيمة ليس يحرسها سوى تسعة عشر ملكاً فقط ؟

وكيف لهؤلاء أن يتولوا عذاب كل البشر الذين تقولون أنهم كفار وأنهم سوف يدخلون النار لأنهم غير مسلمين ؟

ألا ترى في عرض القرآن لهذه القصة استخفافاً بعقول البشر ؟!

فكتبت إليه هذا الجواب :

السلام عليك يا صديقي ، لقد سألتني عن أمر أطلتَ فيه البحث من غير طريقه ، وأتعبت عقلك في الشك الذي لن يصل بك إلا إلى مزيد من التعب والنصب في الدنيا والآخرة . فاقرا ماأكتبه إليك بعد أن تطرح عنك هذا الهوى الذي يعمي عن الحق ، فإن كنت طالب حق نفعك به الله ، وإن كنت داعية بدعة وقفت مع نفسك وعلمت أن هذا الدين متين وبحثت لنفسك عن غيرها ...

يا صديقي : خلق الله عز وجل النار لعذاب من كفر به ، وأوكل لهذه المهمة ملائكة مخصصين بالعذاب ، هم خلق من خلق الله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

ولأنك سألتني عن القرآن ، فمن القرآن أحدثك .

الآية الكريمة التي تذكر عدد هؤلاء الملائكة نزلت بلفظ يتحدى طائفتين من الذين كفروا برسالة النبي ؛ اليهود ومشركي مكة ؛ فاليهود تحدوا النبي بذكر عدد خزنة جهنم ، فأخبرهم النبي أنهم تسعة عشر كما في قول الله تعالى :

( وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة عشر )

فاستهزأ المشركون ، و يروى أن أبا جهل قال للمشركين: عليكم بتسعة وأنا أكفيكم العشرة الباقين

فنزل قول الله تعالى : (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ، وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ، ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا ، ولايرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ، كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وما هي إلا ذكرى للبشر )
سورة المدثر

والآية تبين للمشركين أن أصحاب النار ( خزنتها ) هم ملائكة لا يستطيع البشر حربهم ولا دفعهم وأن قوة البشر لا تساوي شيئاً أمام قوتهم

وأن العدد المذكور جعل فتنة للكافرين الذين يتوقفون عند العدد ولا يفهمون المعنى
فالعدد مذكور بدون تمييز ..بمعنى أنه من الممكن أن يكونوا تسعة عشر ملكاً، أو تسعة عشر ألفا ، أو تسعة عشر مليوناً ..من يعلم غير الله تعالى

وعدم ذكر التمييز اختبار للإيمان ؛ فالمؤمن يقف عند ما قال الله،والكافر يبحث فيما لا ينفعه بالتنقيب عن العدد . ولو أراد الله عذابه بغير شيئ لايعجزه ذلك ، ولو أراد النار بغير خزنة لا يعجزه ذلك ؛ إذ أن الله بقدرته غير محتاج للأسباب في عطائه ومنعه ،ولا يحد قدرته عدد ملائكته سبحانه وتعالى.

ولذلك قال سعيد بن بشير أن معنى قوله ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) ..من كثرة هذه الجنود لا يحيط بها إلا خالقها

والجواب بذكر العدد جاء من الله ردا على اليهود؛ ليستيقنوا من صدق النبي ولا يرتابوا في رسالته، وليزداد المؤمنون إيمانا بربهم . إذ أنه يستحيل أن يعطي النبي جواباً صحيحاً يوافق ما ذكر في التوراة إلا عن طريق الوحي لأنه يخبر عن الغيب

ثم في الآية اختبار وفضح لأهل النفاق الذين يعرضون عن حقيقة التحدي ليقفوا عند ذكر العدد ويخوضوا فيه بما يضلهم عن الهدف الحقيقي .


والملائكة الذين وكلوا بالعذاب نوع من الملائكة لا تضرهم النار ولا تؤذيهم ، وتلك وظيفتهم التي خلقوا لها . ولا رحمة عندهم لأهلها ولا يستجيبون لتوسلاتهم ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب * قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعو وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).

وبالتالي فخزنة النار والملائكة الموكلون بالعذاب فيها متواجدون فيها ، ومن حولها ولا يضرهم كونهم فيها، ومنهم من هو موكل بقمع من يحاول الخروج منها ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق )

وهم غير مخيرين في الطاعة والمعصية ، وطالما أنه ليس هناك اختيار فلا ثواب ولا عقاب ، لأن حرية الاختيار هي مناط المحاسبة وعلة الثواب والعقاب ، أي أن خزنة النار لايعذبون بها وكذا خزنة الجنة لا ينعمون بها ؛ بل كل منهم قائم بما خلق لفعله من تعذيب أهل النار أو تنعيم أهل الجنة .

والحقيقة أحب أن أغير شكل الحوار قليلا ، وأجيب عن السؤال بشكل مختلف ...

يقولون : إن إدراك الصفة يقتضي إدراك كنه الموصوف ، أو يقولون : الحكم على الشيء فرع عن تصوره

والتصور البشري عن النار وعن الملائكة لا يمكن أن يبنى إلا من خلال طريقين : طريق المشاهدة والإدراك الحسي ، أو طريق العقيدة والإيمان بالغيب الذي لا يمكن إدراك كل جزئياته في الدنيا .

بالنسبة للطريق الأول : هو طريق الملحدين ،

طريق الإيمان المادي وإنكار الغيبيات التي لا تدركها الحواس ولا يلم بها العقل ...وأصحاب هذا الفريق لا ينفعهم الجواب عن السؤال المطروح ؛ لأنه مسألة غيبية بحتة لا يؤمنون أصلا بوجودها ، فمن لا يؤمن بالنار والملائكة لن يغير رأيه إلا – هناك - حين يراها بعينه .لأنه أصلاً لا يؤمن بخالقها ، وهذا الصنف من الناس لم يفرق بين ما يستحيل وجوده وما يستحيل إدراكه . وهم بجهلهم يحكمون بالنسبي على المطلق ، ويحكمون نفس القوانين على عوالم مختلفة ، وتغاير العوالم يستتبع تغاير معايير الحكم عليها . وهؤلاء – كما يصفهم الدكتور مصطفى محمود – أشبه بالعرائس التي تتحرك بزمبلك وتتصور أن الإنسان الذي صنعها لابد هو الآخر يتحرك بزمبلك ...

فإن قلت لهم : بل هو يتحرك من تلقاء نفسه .

قالوا : لا يمكن ، مستحيل أن يتحرك شيئ من تلقاء نفسه ...

إننا نرى كل شيء في عالمنا يتحرك بزمبلك . !!

وتناست هذه العرائس أن الذي صنعها ليس من عالمها .

فالخوض في التفاصيل مع هؤلاء دون الاتفاق على الأصول ضرب من السفه لا يرتضيه العقل .

أما الطريق الثاني : وهو طريق الإيمان بالغيب...

أقول: هذه القضايا الغيبية من أمور الآخرة تحتاج أولا إلى الإيمان بكلياتها : أي الإيمان بالله ، وبالجنة ، والنار، والملائكة كغيبات موجودة لا يحيط بها الإدراك البشري لأن المحدود لايدرك اللامحدود

فلو اتفقنا على الإيمان بوجود النار وبوجود الملائكة ..فنحن نحتاج للتفصيل في صفاتها ، ووظائف الملائكة ، وعددهم ، وصفات النار وأبوابها، والحكمة منها..( وللحكمة ذكر في موضع آخر )

هذا التفصيل لا سبيل للعقل البشري في وضعه ، أو تأليفه ؛ لأنه يؤخذ فقط من طريق الوحي ..( القرآن والسنة ) . وعلى ذلك فنحن نؤمن بما ورد ذكره من تفاصيل عن الملائكة وعن النار إيمانا لاشك فيه ، لأننا أولا آمنا بالله الذي خلقها، وآمنا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر عنها....فليس هناك معنى لأن تصدق القرآن في جزء غيبى وتكذبه في جزء آخر ، لأنك حينها تحكم عقلك في جزيئات يستحيل عليه القطع فيها كما يفعل أهل الفريق الأول

أما ما لم يرد ذكره ولم يتطرق إليه الوحي ( القرآن والسنة ) بعرض تفاصيله ..فهل ننكره ؟

الجواب لا ..الجواب نتوقف فيه بمعنى لا نخوض في ذكر تفاصيله لعدة أسباب ..

السبب الأول : أنه ليست لدينا وسيلة لإدراك تفاصيل هذا المسكوت عنه ،لا بالعقل، ولا بالوحي ، فهو أمر غيبي لا يدركه العقل بطرائق الاستدلال ؛ وقد انتهى الوحي ولم يذكره ولا وحي بيننا اليوم ليفصل ما سكت عنه قديماً .

السبب الثاني : أن عدم النقل ليس نقلا للعدم ، أو عدم الإخبار ليس إخبارا بالعدم . أي عدم الإخبار بوجود صفة معينة أو وقوع حدث معين لا يعني الإخبار بعدم حدوثه، أو كما يقول علماء المنطق : إنكار وجود الصفة يقتضي إثبات وجود نقيضها

لو قلت لك أخبرني فلان أنه أكل كذا ، ثم لو قلت لك : لم يخبرني فلان أنه أكل كذا

هل يستوي المعنيان ؟ بالطبع لا: لأن الثاني يحتمل أنه لم يأكل أصلا ، ويحتمل أنه أكل ولم يخبرني .

فعدم نقل الخبر أو الصفة لا ينفي وجود هذه الصفة ، بل فقط نحن لا نعلم هل هذه الصفة موجودة أم لا. ولا نستطيع الجزم بوجودها أو بوجود نقيضها ...

ويتأكد هذا الكلام في باب الغيبيات التي هي توقيفية لا مجال للعقل في اختراع صفاتها بل تؤخذ من الوحي ، فما أثبته الوحي نثبته ، وما نفاه الوحي ننفيه ، وما سكت الوحي عنه نسكت عنه

السبب الثالث : أن الجهل بهذا المسكوت عنه لا يحدث خللا في عقيدة المسلم ، والعلم به لا ينبني عليه تغيير العمل

وكمثال هنا من السؤال المطروح ... لو عرفت أن خزنة النار داخلها أم خارجها ، هل سوف يتغير إيمانك قلة أو زيادة ؟ أنت إما مؤمن بوجود النار وملائكة العذاب أو غير مؤمن ... وهل لو عرفت أنهم داخلها سوف يزداد عملك وعبادتك ولو كانوا خارجها سوف تطمئن وتقلل من تعبدك لله ؟ أنت إما مطيع لله أو عاصي لله ...

وبالنسبة للمسلم القضية منتهية لأنه أصلا لايفكر في خزنة النار بل يفكر في النار بجملتها وعذابها ويعمل لينقذ نفسه منها ويفوز بنعيم الجنة

وكل مسألة لا يبني عليها تغير في الاعتقاد أو العمل فالخوض فيها مضيعة للوقت ؛ لأنها لاتزيد الإيمان ولا تنقصه ولاتزيد العمل ولا تنقصه ..بالنسبة للمؤمن والكافر على السواء ، وفي العلم وفي الدنيا ما هو أحق منها بالدرس والمعرفة .ولذلك أرى هذا السؤال لايزيد إيمان المؤمن ولا يغير من عقيدة الملحد ...كما أنه لن يقنع غير المسلم بصواب عقيدة الإسلام ولن يقنع المسلم بنقص عقيدته

وهناك نقطة يجب بيانها ، وهي أن الله عز وجل لا يحتاج هؤلاء الملائكة لا لحمل النار ولا لبقائها ، ولا لعذاب الكافرين ، فهذا التصور فيه نسبة النقص لله والعجز ...فهو سبحانه مستغن عن كل خلقه وكل خلقه محتاج إليه الإنس والجن والملائكة والجنة والنار

والحكمة من النار وملائكة العذاب التي حذر الله منها في كتابه فقال ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) ، وقال في وصف المتقين ( يرجون رحمته ويخافون عذابه ) الخوف والرجاء معا من سمات أولي الألباب ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )....

الحكمة هي تخويف النفوس التي لا ترتدع إلا بالقوة ولا تستحي من الله وتظلم الناس وتعيث في الأرض فساداً ؛ تخويفهم بأن في الآخرة صنوف من العذاب شديد لمن كذب وتجبر وظلم وطغى .

وفي الناس من لا تنفعه الكلمة الطيبة ولا يجدي معه اللين والرفق ولابد من استعمال الشدة والوعيد لتقويم سلوكه ،

وتسعد البشرية كلها بصنف من الناس رقيقة قلوبهم يرجون رحمة الله فيبذلون من أنفسهم لإسعاد الناس ورعايتهم ، وتسعد أيضا بتقييد هذا الصنف من العتاة المتجبرين فاسدي الطباع الذين قيدهم الخوف من الله وعقابه عن الفتك بالضعفاء والإفساد في الأرض

بل ونفس الشخص المؤمن أحيانا كثيرة يكون قريباً من ربه فيغلب عليه الرجاء والحياء من الله والطمع في رضوانه تعالى وقال بعض السلف عن هذه الحالة : إذا رق قلبك فنسيم الريح يذكرك بالله ،

وفي أحايين كثيرة يقسو القلب ويتبلد وينسى نعم الله تعالى ويتجاوز الإنسان حده مع نفسه ومع غيره ، وحينها يكون الزجر والتخويف علاج يرد هذا القلب لجادة الصواب ويذكر الإنسان بالآخرة وعذابها ، ليس إرهاباً له ولكن تقويماً وتذكيراً

فيتقلب القلب بين الرجاء تارة والخوف تارة كما يربي المربي الحاذق تلاميذه بين الشدة واللين فتصح تربيتهم وتستوي نفوسهم ويسعدون في حياتهم بتربية معلمهم ، ولا تربية تعدل تربية الله عز وجل لقلوب عباده فهو خلقهم وهو أعلم بهم

والحق أن أكمل الخوف والرجاء هو ما تعلق بذات الله سبحانه دون ما تعلق بالمخلوقات في الجنة والنار ، فأعلى الخوف خوف البعد والسخط والحجاب عن الله سبحانه ، كما قدم الله ذكر هذا العقاب على عقاب النار فقال ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم ) فكما أن خير نعيم الجنة رؤية وجه الله الكريم فشر عذاب النار الحجاب عن الله فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ...ثم ينالون من العذاب صنوفا وألواناً فوق الحسرة والندامة على تكذيبهم

أسأل الله أن يهيديني وإياك وأن يبعد وجوهنا عن النار ويكتبنا من أهل جنة الرضوان .

فرد علي برسالة تقول :

لقد قرأت ما كتبت ، ونزعت عن نفسي رداء الهوى ؛ وشعرت بشدة غبائي لأني لم أدرك هذا الكلام وحدي ، وأنا لا أحب أن يكون لي صديق يشعرني بأنني غبي . فليس بيننا بعد اليوم حوار . ثم أزالني من قائمة أصدقائه .