عنوان جانبي

  • وسأعود فأقول :
  • لم يعرف معاني الكلام من لم يقرأ في وحي القلم

الأحد، 17 أبريل 2011

هل في النار ملائكة ؟ حوار مع ملحد



ذات يوم ، سألني صديق ملحد ممن لا يؤمنون بشيء سوى أنفسهم سؤالاً عجيباً

يقول فيه : يا صاحبي هل تستطيع وأنت مطلع على القرآن أن تخبرني :

هل في النار ملائكة أم لا؟

وهذه النار العظيمة ليس يحرسها سوى تسعة عشر ملكاً فقط ؟

وكيف لهؤلاء أن يتولوا عذاب كل البشر الذين تقولون أنهم كفار وأنهم سوف يدخلون النار لأنهم غير مسلمين ؟

ألا ترى في عرض القرآن لهذه القصة استخفافاً بعقول البشر ؟!

فكتبت إليه هذا الجواب :

السلام عليك يا صديقي ، لقد سألتني عن أمر أطلتَ فيه البحث من غير طريقه ، وأتعبت عقلك في الشك الذي لن يصل بك إلا إلى مزيد من التعب والنصب في الدنيا والآخرة . فاقرا ماأكتبه إليك بعد أن تطرح عنك هذا الهوى الذي يعمي عن الحق ، فإن كنت طالب حق نفعك به الله ، وإن كنت داعية بدعة وقفت مع نفسك وعلمت أن هذا الدين متين وبحثت لنفسك عن غيرها ...

يا صديقي : خلق الله عز وجل النار لعذاب من كفر به ، وأوكل لهذه المهمة ملائكة مخصصين بالعذاب ، هم خلق من خلق الله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

ولأنك سألتني عن القرآن ، فمن القرآن أحدثك .

الآية الكريمة التي تذكر عدد هؤلاء الملائكة نزلت بلفظ يتحدى طائفتين من الذين كفروا برسالة النبي ؛ اليهود ومشركي مكة ؛ فاليهود تحدوا النبي بذكر عدد خزنة جهنم ، فأخبرهم النبي أنهم تسعة عشر كما في قول الله تعالى :

( وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة عشر )

فاستهزأ المشركون ، و يروى أن أبا جهل قال للمشركين: عليكم بتسعة وأنا أكفيكم العشرة الباقين

فنزل قول الله تعالى : (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ، وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ، ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا ، ولايرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ، كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وما هي إلا ذكرى للبشر )
سورة المدثر

والآية تبين للمشركين أن أصحاب النار ( خزنتها ) هم ملائكة لا يستطيع البشر حربهم ولا دفعهم وأن قوة البشر لا تساوي شيئاً أمام قوتهم

وأن العدد المذكور جعل فتنة للكافرين الذين يتوقفون عند العدد ولا يفهمون المعنى
فالعدد مذكور بدون تمييز ..بمعنى أنه من الممكن أن يكونوا تسعة عشر ملكاً، أو تسعة عشر ألفا ، أو تسعة عشر مليوناً ..من يعلم غير الله تعالى

وعدم ذكر التمييز اختبار للإيمان ؛ فالمؤمن يقف عند ما قال الله،والكافر يبحث فيما لا ينفعه بالتنقيب عن العدد . ولو أراد الله عذابه بغير شيئ لايعجزه ذلك ، ولو أراد النار بغير خزنة لا يعجزه ذلك ؛ إذ أن الله بقدرته غير محتاج للأسباب في عطائه ومنعه ،ولا يحد قدرته عدد ملائكته سبحانه وتعالى.

ولذلك قال سعيد بن بشير أن معنى قوله ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) ..من كثرة هذه الجنود لا يحيط بها إلا خالقها

والجواب بذكر العدد جاء من الله ردا على اليهود؛ ليستيقنوا من صدق النبي ولا يرتابوا في رسالته، وليزداد المؤمنون إيمانا بربهم . إذ أنه يستحيل أن يعطي النبي جواباً صحيحاً يوافق ما ذكر في التوراة إلا عن طريق الوحي لأنه يخبر عن الغيب

ثم في الآية اختبار وفضح لأهل النفاق الذين يعرضون عن حقيقة التحدي ليقفوا عند ذكر العدد ويخوضوا فيه بما يضلهم عن الهدف الحقيقي .


والملائكة الذين وكلوا بالعذاب نوع من الملائكة لا تضرهم النار ولا تؤذيهم ، وتلك وظيفتهم التي خلقوا لها . ولا رحمة عندهم لأهلها ولا يستجيبون لتوسلاتهم ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب * قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعو وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).

وبالتالي فخزنة النار والملائكة الموكلون بالعذاب فيها متواجدون فيها ، ومن حولها ولا يضرهم كونهم فيها، ومنهم من هو موكل بقمع من يحاول الخروج منها ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق )

وهم غير مخيرين في الطاعة والمعصية ، وطالما أنه ليس هناك اختيار فلا ثواب ولا عقاب ، لأن حرية الاختيار هي مناط المحاسبة وعلة الثواب والعقاب ، أي أن خزنة النار لايعذبون بها وكذا خزنة الجنة لا ينعمون بها ؛ بل كل منهم قائم بما خلق لفعله من تعذيب أهل النار أو تنعيم أهل الجنة .

والحقيقة أحب أن أغير شكل الحوار قليلا ، وأجيب عن السؤال بشكل مختلف ...

يقولون : إن إدراك الصفة يقتضي إدراك كنه الموصوف ، أو يقولون : الحكم على الشيء فرع عن تصوره

والتصور البشري عن النار وعن الملائكة لا يمكن أن يبنى إلا من خلال طريقين : طريق المشاهدة والإدراك الحسي ، أو طريق العقيدة والإيمان بالغيب الذي لا يمكن إدراك كل جزئياته في الدنيا .

بالنسبة للطريق الأول : هو طريق الملحدين ،

طريق الإيمان المادي وإنكار الغيبيات التي لا تدركها الحواس ولا يلم بها العقل ...وأصحاب هذا الفريق لا ينفعهم الجواب عن السؤال المطروح ؛ لأنه مسألة غيبية بحتة لا يؤمنون أصلا بوجودها ، فمن لا يؤمن بالنار والملائكة لن يغير رأيه إلا – هناك - حين يراها بعينه .لأنه أصلاً لا يؤمن بخالقها ، وهذا الصنف من الناس لم يفرق بين ما يستحيل وجوده وما يستحيل إدراكه . وهم بجهلهم يحكمون بالنسبي على المطلق ، ويحكمون نفس القوانين على عوالم مختلفة ، وتغاير العوالم يستتبع تغاير معايير الحكم عليها . وهؤلاء – كما يصفهم الدكتور مصطفى محمود – أشبه بالعرائس التي تتحرك بزمبلك وتتصور أن الإنسان الذي صنعها لابد هو الآخر يتحرك بزمبلك ...

فإن قلت لهم : بل هو يتحرك من تلقاء نفسه .

قالوا : لا يمكن ، مستحيل أن يتحرك شيئ من تلقاء نفسه ...

إننا نرى كل شيء في عالمنا يتحرك بزمبلك . !!

وتناست هذه العرائس أن الذي صنعها ليس من عالمها .

فالخوض في التفاصيل مع هؤلاء دون الاتفاق على الأصول ضرب من السفه لا يرتضيه العقل .

أما الطريق الثاني : وهو طريق الإيمان بالغيب...

أقول: هذه القضايا الغيبية من أمور الآخرة تحتاج أولا إلى الإيمان بكلياتها : أي الإيمان بالله ، وبالجنة ، والنار، والملائكة كغيبات موجودة لا يحيط بها الإدراك البشري لأن المحدود لايدرك اللامحدود

فلو اتفقنا على الإيمان بوجود النار وبوجود الملائكة ..فنحن نحتاج للتفصيل في صفاتها ، ووظائف الملائكة ، وعددهم ، وصفات النار وأبوابها، والحكمة منها..( وللحكمة ذكر في موضع آخر )

هذا التفصيل لا سبيل للعقل البشري في وضعه ، أو تأليفه ؛ لأنه يؤخذ فقط من طريق الوحي ..( القرآن والسنة ) . وعلى ذلك فنحن نؤمن بما ورد ذكره من تفاصيل عن الملائكة وعن النار إيمانا لاشك فيه ، لأننا أولا آمنا بالله الذي خلقها، وآمنا بصدق النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر عنها....فليس هناك معنى لأن تصدق القرآن في جزء غيبى وتكذبه في جزء آخر ، لأنك حينها تحكم عقلك في جزيئات يستحيل عليه القطع فيها كما يفعل أهل الفريق الأول

أما ما لم يرد ذكره ولم يتطرق إليه الوحي ( القرآن والسنة ) بعرض تفاصيله ..فهل ننكره ؟

الجواب لا ..الجواب نتوقف فيه بمعنى لا نخوض في ذكر تفاصيله لعدة أسباب ..

السبب الأول : أنه ليست لدينا وسيلة لإدراك تفاصيل هذا المسكوت عنه ،لا بالعقل، ولا بالوحي ، فهو أمر غيبي لا يدركه العقل بطرائق الاستدلال ؛ وقد انتهى الوحي ولم يذكره ولا وحي بيننا اليوم ليفصل ما سكت عنه قديماً .

السبب الثاني : أن عدم النقل ليس نقلا للعدم ، أو عدم الإخبار ليس إخبارا بالعدم . أي عدم الإخبار بوجود صفة معينة أو وقوع حدث معين لا يعني الإخبار بعدم حدوثه، أو كما يقول علماء المنطق : إنكار وجود الصفة يقتضي إثبات وجود نقيضها

لو قلت لك أخبرني فلان أنه أكل كذا ، ثم لو قلت لك : لم يخبرني فلان أنه أكل كذا

هل يستوي المعنيان ؟ بالطبع لا: لأن الثاني يحتمل أنه لم يأكل أصلا ، ويحتمل أنه أكل ولم يخبرني .

فعدم نقل الخبر أو الصفة لا ينفي وجود هذه الصفة ، بل فقط نحن لا نعلم هل هذه الصفة موجودة أم لا. ولا نستطيع الجزم بوجودها أو بوجود نقيضها ...

ويتأكد هذا الكلام في باب الغيبيات التي هي توقيفية لا مجال للعقل في اختراع صفاتها بل تؤخذ من الوحي ، فما أثبته الوحي نثبته ، وما نفاه الوحي ننفيه ، وما سكت الوحي عنه نسكت عنه

السبب الثالث : أن الجهل بهذا المسكوت عنه لا يحدث خللا في عقيدة المسلم ، والعلم به لا ينبني عليه تغيير العمل

وكمثال هنا من السؤال المطروح ... لو عرفت أن خزنة النار داخلها أم خارجها ، هل سوف يتغير إيمانك قلة أو زيادة ؟ أنت إما مؤمن بوجود النار وملائكة العذاب أو غير مؤمن ... وهل لو عرفت أنهم داخلها سوف يزداد عملك وعبادتك ولو كانوا خارجها سوف تطمئن وتقلل من تعبدك لله ؟ أنت إما مطيع لله أو عاصي لله ...

وبالنسبة للمسلم القضية منتهية لأنه أصلا لايفكر في خزنة النار بل يفكر في النار بجملتها وعذابها ويعمل لينقذ نفسه منها ويفوز بنعيم الجنة

وكل مسألة لا يبني عليها تغير في الاعتقاد أو العمل فالخوض فيها مضيعة للوقت ؛ لأنها لاتزيد الإيمان ولا تنقصه ولاتزيد العمل ولا تنقصه ..بالنسبة للمؤمن والكافر على السواء ، وفي العلم وفي الدنيا ما هو أحق منها بالدرس والمعرفة .ولذلك أرى هذا السؤال لايزيد إيمان المؤمن ولا يغير من عقيدة الملحد ...كما أنه لن يقنع غير المسلم بصواب عقيدة الإسلام ولن يقنع المسلم بنقص عقيدته

وهناك نقطة يجب بيانها ، وهي أن الله عز وجل لا يحتاج هؤلاء الملائكة لا لحمل النار ولا لبقائها ، ولا لعذاب الكافرين ، فهذا التصور فيه نسبة النقص لله والعجز ...فهو سبحانه مستغن عن كل خلقه وكل خلقه محتاج إليه الإنس والجن والملائكة والجنة والنار

والحكمة من النار وملائكة العذاب التي حذر الله منها في كتابه فقال ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) ، وقال في وصف المتقين ( يرجون رحمته ويخافون عذابه ) الخوف والرجاء معا من سمات أولي الألباب ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )....

الحكمة هي تخويف النفوس التي لا ترتدع إلا بالقوة ولا تستحي من الله وتظلم الناس وتعيث في الأرض فساداً ؛ تخويفهم بأن في الآخرة صنوف من العذاب شديد لمن كذب وتجبر وظلم وطغى .

وفي الناس من لا تنفعه الكلمة الطيبة ولا يجدي معه اللين والرفق ولابد من استعمال الشدة والوعيد لتقويم سلوكه ،

وتسعد البشرية كلها بصنف من الناس رقيقة قلوبهم يرجون رحمة الله فيبذلون من أنفسهم لإسعاد الناس ورعايتهم ، وتسعد أيضا بتقييد هذا الصنف من العتاة المتجبرين فاسدي الطباع الذين قيدهم الخوف من الله وعقابه عن الفتك بالضعفاء والإفساد في الأرض

بل ونفس الشخص المؤمن أحيانا كثيرة يكون قريباً من ربه فيغلب عليه الرجاء والحياء من الله والطمع في رضوانه تعالى وقال بعض السلف عن هذه الحالة : إذا رق قلبك فنسيم الريح يذكرك بالله ،

وفي أحايين كثيرة يقسو القلب ويتبلد وينسى نعم الله تعالى ويتجاوز الإنسان حده مع نفسه ومع غيره ، وحينها يكون الزجر والتخويف علاج يرد هذا القلب لجادة الصواب ويذكر الإنسان بالآخرة وعذابها ، ليس إرهاباً له ولكن تقويماً وتذكيراً

فيتقلب القلب بين الرجاء تارة والخوف تارة كما يربي المربي الحاذق تلاميذه بين الشدة واللين فتصح تربيتهم وتستوي نفوسهم ويسعدون في حياتهم بتربية معلمهم ، ولا تربية تعدل تربية الله عز وجل لقلوب عباده فهو خلقهم وهو أعلم بهم

والحق أن أكمل الخوف والرجاء هو ما تعلق بذات الله سبحانه دون ما تعلق بالمخلوقات في الجنة والنار ، فأعلى الخوف خوف البعد والسخط والحجاب عن الله سبحانه ، كما قدم الله ذكر هذا العقاب على عقاب النار فقال ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم ) فكما أن خير نعيم الجنة رؤية وجه الله الكريم فشر عذاب النار الحجاب عن الله فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ...ثم ينالون من العذاب صنوفا وألواناً فوق الحسرة والندامة على تكذيبهم

أسأل الله أن يهيديني وإياك وأن يبعد وجوهنا عن النار ويكتبنا من أهل جنة الرضوان .

فرد علي برسالة تقول :

لقد قرأت ما كتبت ، ونزعت عن نفسي رداء الهوى ؛ وشعرت بشدة غبائي لأني لم أدرك هذا الكلام وحدي ، وأنا لا أحب أن يكون لي صديق يشعرني بأنني غبي . فليس بيننا بعد اليوم حوار . ثم أزالني من قائمة أصدقائه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق